الجمعة، 23 سبتمبر 2011

مرتزقة القذافي

مرتزقة القذافي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

لقد قامت في أيامنا الراهنة ثورات، استطاعت الشعوب الإسلامية من خلالها أن تتحرر من ربقة الاستعباد لحفنة من الطغاة الجبابرة.

وهذه الثورات وإن كانت في الجملة متشابهة في الأسباب والطموحات، غير أنَّ كلاً منها قد تميز بمزية ميَّزته عن سائر الثورات، حتى صارت تلك المزية علامة تعرف بها تلك الثورة.

فعُرِفت ثورة تونس الخضراء بـ (البوعزيزي): مفجرها.

وعُرِفت ثورة مصر الكنانة بـ (ميدان التحرير) وما جرى فيه.

وعُرِفت ثورة اليمن الحكمة، بـ(حكمة أبنائها) مع محاولة السفاح إخراجهم عنها.

وعُرِفت ثورة ليبيا المختار بـ(المرتزقة) الذين جاء بهم الطاغية، وفي مجالات شتى. وذلك بِرَاً منه بقسمه الذي أقسمه لما قال: (( سنزحف أنا والملايين )).

وقد كان يعني ما يقول، فجاء بهؤلاء المرتزقة عبدة الدينار والدرهم من كل حدب وصوب.

مرتزقة القتل، الذين مارسوا التقتيل في الشعب الليبي بمنتهى الوحشية.

مرتزقة الإعلام، الذين أداروا الحرب بمنتهى الإسفاف والانحطاط.

مرتزقة الدِّين، الذين أباحوا له كلَّ ما فعله وما يريد أن يفعله، كلُّ ذلك باسم الدين والسلفية. فصوروا المؤمن فاجراً والفاجر مؤمناً، والظالم مظلوماً والمظلوم ظالماً، والمفسد مصلحاً والمصلح مفسداً.

وأخصُّ بمقالتي هذه الصنف الثالث: (مرتزقة الدين)؛ بياناً للحق، وإبراء للدين والسلفية مما نُسِبَ إليها.

وسيكون حديثي معهم من وجهين؛ وجه عام مجمل، ووجه خاص مفصَّل.

أمَّا الوجه العام:

فيتلخص في إقامة الدليل على أنَّ الدخول مع الطاغية في خندق واحد، أو الصف في صفه مسلك منحرف، مخالف لسواء السبيل.

- قال ربنا سبحانه: ﴿وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ [هود:113].

فيا ترى، هل هذا الطاغية القذافي من الذين ظلموا؟ أم أنَّهم سيقولون: بل هو صالح مصلح، يحب الله ورسوله، فيكون من الركون إلى أهل الخير والصلاح؟!!

وقال r -فيما رواه الإمام أحمد وصححه الألباني في الترغيب والترهيب (رقم2246) من حديث أبي سعيد الخدري-: ((يكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس، يَكذبون ويَظلمون، فمن دخل عليهم فَصدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه. ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدِّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه )).

ولعلَّ بعضَهم يكذب على نفسه فيقول: إني آمرهم وأنهاهم ولا أوافقهم على باطلهم!!!

فأذكره بقولة الإمام سحنون رحمه الله (كما في سير أعلام النبلاء 12/65-66): (( والله ما دخلتُ على السلطان إلاَّ وإذا خرجت حاسبت نفسي، فوجدتُ عليها الدرَك، وأنتم ترون مخالفتي لهواه، وما ألقاه به من الغلظة، والله ما أخذت ولا لبست لهم ثوباً )).

هكذا يقول الإمام سحنون، فما بالك بمن لم تُسمَع منه كلمةٌ في نصح هؤلاء الطغاة، وعطاياهم عليه لا تنقطع؟!!

وإذا قال: إنما جئت إلى الإذاعة -كما زعم أحدهم مراراً- نصحاً للمسلمين، وبياناً لدين الله.

فنقول: هناك مجالات كثيرة يمكنك أن تبيِّن بها دينَ الله الذي تَدين به، ويمكنك نصحَ إخوانِك الثُّوار -إن كنتَ تراهم حقاً إخواناً لك- من غير خندق النظام وإذاعاته.

- ألا ينظر من سفِه نفسَه بالتصدي للدفاع عن الطاغية وأولاده في قنواته الفضائية إلى من حوله؟ هل يجدُ فيهم من يُتأسى به فيما فعل. كما قال كعب بن مالك رضي الله عنه -كما في الصحيحين- حين تخلَّف في غزوة تبوك: (( قلتُ: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان، قالا مثل ما قلتَ. فقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، فيهما أسوة)).

أم أنه لن يجد إلا المتردية والنطيحة وما أكل السبع؟!

- ألا ينظر من سفه نفسَه في التاريخ وحوادثه، هل يجد له سلفاً من الأئمة الماضين فيما يفعل. فليست هذه المحنة الأولى التي يصاب بها أهل الإسلام، بل لها سوابق في التاريخ القديم والحديث. ومع ذلك فإننا لا نجد في كتب التاريخ وسير العلماء إلاَّ صنفين من أهل العلم.

صِنفٌ خرج على أمثال هذا الحاكم، كالقُرَّاء الذي خرجوا مع ابن الأشعث على الحجَّاج ابن يوسف، كسعيد بن جبير وأبي البختري ونحوهم.

وصِنف اعتزل الفتنة ولم يشاركوا مع مَن خرج، كالحسن البصري ومطرف بن عبد الله ابن الشخير ونحوهم.

ولم نجد هذا الصنف الثالث الذين صفُّوا مع الطغاة في خندق واحد.

سألَ رَجُلٌ الحسنَ البصري (كما في طبقات ابن سعد 7/164) فقال: (( يا أبا سعيد ما تقول في الفتن، مثل يزيد بن المهلب وابن الأشعث؟ فقال: لا تكن مع هؤلاء، ولا مع هؤلاء. فقال رَجُلٌ من أهل الشام: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد؟ فغضب ثم قال بيده، فخطر بها ثم قال: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد، نعم ولا مع أمير المؤمنين )).

- ألم يسأل من تعهَّد بالذب عن الطاغية في قنواته، ألم يسأل نفسه، متى كان ذأب هؤلاء اللئام البحث عن شرع الله؟ ومتى كان شأنهم السؤال عن حكم الله؟ ومنذ متى صاروا يُعِيرون بالاً للإسلام وأهله؟

أم أنَّ الحال كما قال الله سبحانه: ﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [النور:50].

فمن كانت هذه حاله، فإنَّ الشأن أن يُعرَضَ عنه، وألا يجاب عما يَسأل؛ لأنَّ غرضَه الوصول إلى غايته لا اتباع الحق والدين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (كما في مجموع الفتاوى 28/198): (( وكذلك لو كان المتحاكِم إلى الحاكم والعالم من المنافقين الذين يتخيَّرون بين القبول من الكتاب والسنة وبين ترك ذلك، لم يَجب عليه الحكم بينهم. وهذا من حجة كثير من السلف الذين كانوا لا يحدِّثون المعلِنين بالبدع بأحاديث النبي r. ومن هذا الباب: من لا يكون قصدُه في استفتائه وحكومته الحقَّ، بل غرضه مَن يوافقه على هواه، كائناً من كان، سواء كان صحيحاً أو باطلاً، فهذا سماع لغير ما بعث اللّه به رسوله، فإن اللّه إنما بعث رسوله بالهدى ودين الحق، فليس على خلفاء رسول اللّه أن يفتوه ويحكموا له، كما ليس عليهم أن يحكموا بين المنافقين والكافرين المستجيبين لقوم آخرين، لم يستجيبوا للّه ورسوله )).

وهكذا كان حال السلف، فقد بعث الأمير إلى الإمام سحنون مرَّةً يسأله عن مسألة فلم يُجبه، فقيل له في ذلك، فقال (كما في سير أعلام النبلاء 12/66): (( أفأجيب من يريد أن يتفكَّهَ، يريد أن يأخذ قولي وقول غيري، ولو كان شيئاً يُقصَد به الدين لأجبته )).

وهذا هو شأن هذا الطاغية، فلم نرَ منه طيلة أربعين عاماً إلاَّ السخرية من السنة، وتسفيه أهلها.

ألمُجرَّد لعبة هزيلة -سبق مثيلها- بتبني النظام للسلفية، ووعْد بإنشاء مدرسة لها، يُستجَاب لهذا الطاغية، ويُترك الحقُّ الذي بُنيت السموات والأرض لإقامته.

ما أشبه اليوم بالأمس!!! وقد قال r -فيما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة-: (( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )).

هذا كلُّه إذا كان ما يقول هذا المرتَزِق حقّاً وصدقاً وعدلاً، فما بالك إذا كان قولُه محضَ البهتان، وشهادتُه الزورَ، وحكمُه الباطلَ الصريح. فلا شك أنَّه أخسُّ الناس وأحمقُهم.

قال عمر بن عبد العزيز يوماً لجلسائه (كما في حلية الأولياء 5/325): (( أخبروني بأحمق الناس؟ قالوا: رجل باع آخرته بدنياه. فقال عمر: ألا أنبئكم بأحمق منه؟ قالوا: بلى. قال: رجل باع آخرته بدنيا غيره )).

قال المناوي (كما في فيض القدير 2/539): (( ومن ثَمَّ سمَّاه الفقهاء أخسَّ الأخسَّاء. وقالوا: لو أُوصِي للأخس صُرِفَ له )).

وبيان قوله البهتان، وشهادته الزور، وحكمه الباطل، هو الوجه الخاص التفصيلي.

الوجه الخاص التفصيلي:

وسأستعرض فيه جانباً من ضلالات مرتزِق من مرتزِقة هذا الصنف، ولم أقصد تتبُّعه، وإنَّما هي إشارات تؤكد لكل صاحب فطرة سليمة ضلالَ ما يفعله.

1- خرج علينا ببرنامج في قناة الطاغية الليبية سمَّاه (احذروا)، وقد صدق -والله-فعلى كلِّ مسلم ناصح لنفسه أن يحذره ويحذر برنامجه.

فسبحان من جعل التحذير من هذا البرنامج على لسان صاحبه وبيده، كما صرف كفار قريش عن شتم نبيه r. روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: (( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً، ويلعنون مذمماً، وأنا محمد )).

2- ادَّعي أنَّ المقصود من هذا البرنامج حقن دماء الليبيين، ولم تُسمع منه كلمةٌ في هذا الشأن، بل كلُّ كلامه موجَّهٌ إلى الثوار الذين قاموا دفاعاً عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم. ونَسِي أو تناسى أنَّ حليفَه وحليفَ الشيطان هو من ابتدأ القتال، وأنَّ مبدأ خروج هؤلاء الشباب كان سلمياً غير مسلَّح.

فلم تسمع منه كلمة واحدة موجهة إلى الظالم وكتائبه، بل على العكس، حثَّهم على قتال المارقين البغاة (على حد تعبيره)، ومنَّاهم بجزيل الأجر والثواب إن ظفروا بهم، والخلود في جنات النعيم إذا هم استشهدوا بزعمه!!!

بل زاد الطين بلة، حين أغرى القوى الأمنية بتتبع الشباب الفارين من الخدمة العسكرية (شهر الجمع) وضرورة إرسالهم إلى الجبهات ليقاتلوا إخوانهم في المناطق المحررة.

هكذا فليكنْ حقنَ الدماء.

3- جعل بقاء الطاغية في حكمه حقاً إلهياً، يجب الحرص عليه وحمايته، وغفل أو تغافل عن عدم مشروعية تولي هذا الطاغية لحكم المسلمين.

فتراه يقترح الاقتراحات، ويضع الحلول، ويسوِّغ الخوض في كل شيء، غير أمر واحد، وهو تنحي الطاغية.

بل يقذف من حدَّث نفسه بهذا المطلب -ولا أقول: سعى إليه- بأشرِّ الأوصاف، فتارة هو غر، وتارة أحمق، وتارة وتارة.

وكأنَّ امتهان هذا الطاغية لليبيين أمرٌ سماوي، نزلت به آيات كريمة، أو نص عليه النبي الكريم r في غير ما حديث.

ولو كان هذا الطاغية أعدلَ الناس وأصلحهم، لاقتضت المصلحة أن يعزل نفسه؛ فداء لشعبه، وتجنيباً لهم لهذه الضربات والخسائر التي ليس لها سبب سوى الخلاص منه. فلو كان هذا المرتزق مخلصاً حقاً، لدعى وليَّه وإمامه إلى التنحي حقناً للدماء، فلا سبيل إلى حقن الدماء إلاَّ بتنحيه، ولا سبيل إلى هناء الليبيين إلا بخروجه، فلن يقف الثوار، ولن يسلموه أعناقهم ليبيدهم، ولن يرضى العالم ببقاء هذا الطاغية بعد كل ما فعل.

4- يدعو إلى التثبت وعدم الركون إلى القنوات الفاجرة الكاذبة، ويكذِّب النقلةَ في أخبارهم إذا نقلوا ما يسيء إلى سيده.

أمَّا نقله هو ونقل سيده، فصحيحٌ لا يتطرق إليه احتمال أو تشكيك.

فهو إما نقل مباشر من جبهات القتال التي لم ير فيها ضمن كتائب القذافي -وقد أعمى الله بصيرته- إلاَّ مَن الصلاح شعاره، والتقوى دثاره، كما صرَّح بذلك!!!

أو نقل عن الثقات الأثبات الذين حدثوه، غير أنه أحياناً يتبين أنَّ المنقول عنه كثير الأوهام، وتارة ينقل عن جريدة الحياة اللندنية (جريدة العدل والصدق مادامت تنقل ما يوافق هواه)، أو عن قنوات الصدق الصراح: قناة الجماهيرية والشبابية نقلاً عن إخوانه وأشباهه شكير وهالة وحمزة.

وإذا نقل نقلاً يتيقن كذبه لم يجرؤ على التصريح، بل يذكره ويستدل به، ويرتِّب عليه كلَّ ما يترتب عليه، مع رجائه أن يكون كذباً وزوراً.

كما فعل في قصة الإذاعة النصرانية في بنغازي.

5- يكيل بمكيالين. كما قال سبحانه: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 1-6].

فتراه يبتر النصوص ويقطِّعها، وينتقي منها ما يوافق هواه، ويغفل ويتغافل عما خالفها.

كما فعل في استدلاله بأقوال لبعض أهل العلم في عدم مشروعية الخروج على الحاكم المسلم حقناً للدماء، معرضاً عن أقوالهم في خصوص حال هذا الطاغية وتكفيرهم له. كما فعل في استدلاله بأقوال الإمام العلامة ابن باز، والشيخ المحدث مقبل الوادعي.

وهذا هو دأب أهل الأهواء كما قال بعض السلف: (( قاتل الله أهل البدع، يذكرون ما لهم، ويتركون ما عليهم )).

وإذا اضطر إلى إيراد نصٍّ فيه ما يخالف هواه، سارع إلى تأويله، وحمله على غير محمله. أو وصف صاحبه بعدم إدراك الواقع في ليبيا، أو أنه ينظر بعين قناة الجزيرة. أما هو فلا ينظر إلاَّ بنور المؤمن الذي كشفت له الحقيقة، وكأنه ينظر بنور الله !!

كما فعل ذلك بالمكالمات التي أوردها للشيخ فلاح إسماعيل، والشيخ محمد بازمول، حين أمرا بالاعتزال وعدم الوقوف مع الطاغية.

ومن هذا الباب: ذكره لمخالفيه بأسوأ ما يعلمه فيهم، ولا يذكر خليله - الذي أسأل الله أن يحشره معه- إلاَّ بألطف ما يمكن أن يُنسب إليه ولو لم يكن فيه.

6- ينتقد مخالفيه ويصفهم بأبشع الأوصاف، فكلُّ من رأى رأياً غير رأي سيده فهو خلَفيٌّ عميلٌ للصليبين. فلم يسلم منه العلماء والدعاة في داخل ليبيا ولا خارجها. فكال لهم التهم، إما بالعمالة أو الجهل، ابتداء بالعالم الجليل الصادق الغرياني وفضيلة العلامة صالح اللحيدان يحفظهما الله، وانتهاء بالمشايخ الأفاضل من الطلاب الدارسين بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.

وما لهؤلاء عيبٌ سوى أنَّهم خالفوا هوى صاحبه، وحدَّثوا أنفسهم برؤية ليبيا حرة دون القذافي وأبنائه.

وصدق من قال: حبُّك الشيء يعمي ويصم.

7- يستدعي المشاركات في برنامجه، ويطلب النصح مع استئمان المناصحين وعدم الخوف عليهم. وإن حصل تسجيل لمكالماتهم، أو رصد لأفعالهم، ثم عرضه في برنامجه، فهي مفاجأة لا يدري بها.

مع نصحه لمشاهديه الذي يتصلون به بضرورة الالتزام بآداب الهاتف التي ذكرها فضيلة الشيخ بكر أبو زيد في رسالته (أدب الهاتف).

وإليك نصّ كلام الشيخ في هذا الكتيب الماتع، لتعلم إلى أي حضيض يبلغ من أراد أن يدافع عن هذا الطاغية.

قال رحمه الله (ص28-30): (( لا يجوز لمسلم يَرعَى الأمانة ويبغض الخيانة أن يسجل كلام المتكلِّم دون إذنه وعلمه، مهما يكن نوع الكلام: دينياً أو دنيوياً، كفتوى، أو مباحثة علمية، أو مالية، وما جرى مجرى ذلك ... فإذا سجلتَ مكالمتَه دون إذنه وعِلْمِه فهذا مكرٌ وخديعةٌ وخيانةٌ للأمانة. وإذا نَشرتَ هذه المكالمة للآخرين فهي زيادةٌ في التَّخون وهتك الأمانة. وإن فعلتَ فعلتكَ الثالثة: التصرف في نص المكالمة بتقطيع، وتقديم وتأخير، ونحو ذلك إدخالاً أو إخراجاً -دبلجة- فالآن ترتدي الخيانة مضاعفة، وتسقط على أم رأسك في أم الخبائث غير مأسوف على خائن. والخلاصة أن تسجيل المكالمة هاتفية أو غير هاتفية دون علم المتكلم وإذنه فجور وخيانة، وجرحة في العدالة، ولا يفعلها إلا الضامرون في الدين، والخلق، والأدب، لاسيما إن تضاعفت - كما ذكر- فاتقوا الله - عباد الله- ولا تخونوا أماناتكم، ولا تغدروا بإخوانكم )).

8- يتكلم باسم الشرع ولا يستعمل ألفاظه، فتراه يكرِّر ويجترُّ ما يسمعه في إذاعات الطاغية، فهذه عصابات إجرامية، وهذا مجلس لا وطني، وحمقى، وغير سلفيين.

أمَّا قائده وخليله، فقائد رشيد !! وأما مدير الأوقاف فالأخ الأستاذ الفاضل أمين الأوقاف!!. وأمَّا صنوه وزميله في الضلال فالشيخ المجاهد خالد تنتوش !!!

فكان كما قال الإمام الذهبي (في السير 7/125): (( قد كان عبد الله بن علي ملكاً جبّاراً، سفاكاً للدّماء، صعْبَ المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يَصدعه بمُرِّ الحقِّ كما ترى، لا كخلْق من علماء السوء، الذين يُحسِّنون للأمراء ما يَقتحمون به من الظلم والعسف، ويقلبون لهم الباطل حقاً -قاتلهم الله- أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق )).

9- يمنع الاستقواء بالكفار (الصليبيين كما يحلو له متابعةً لتعبير أسياده) ويشترط إجماع العلماء على تقرير ضرورة ذلك. ولا أدري أين وجد هذا الشرط؟

ولمَّا علم أنَّ العلماء وطلبة العلم في ليبيا مجمعون على هذه الضرورة، أمعن في الضلال، فاشترط أن يكون الإجماع من الهيئات العلمية الكبرى خارج ليبيا لا داخلها، كهيئة كبار العلماء في السعودية، أو الأزهر!!

فهل وقع مثل هذا الإجماع في حرب الخليج الثانية -وهو يعلم مخالفة العلامة المحدِّث الألباني في ذلك- عندما استعانت السعودية والكويت بالغرب لصد عدوان صدام حسين على الكويت. أم أنه سيكيل لهيئة كبار العلماء تلك التهم التي اتهم بها المجلس الوطني برئاسة المستشار الفاضل مصطفى عبد الجليل. أم سيستعمل خبث السياسة فلا داعي لذلك؛ لأنَّ همَّه الدفاع عن وليه وحميمه، لا الدفاع عن الدِّين كما يزعم ويحاول أن يصور.

ثم تنزَّل وقال: لو سلَّمنا بوجود هذه الضرورة، خشية إبادة أهلنا في بنغازي، فإنَّ الضرورة تُقدَّر بقدرها، وقد زالت هذه الضرورة باندحار كتائب اللئيم عنها.

وهذا كما قلتُ: إمعان منه في الضلال والإضلال، وكأنَّ شرَّ هذا الظالم إنَّما نال أهلَنا في بنغازي وحدَهم. أمَّا أهالي مصراتة والزنتان وجبل نفوسة والزاوية بل وطرابلس ليسوا من البشر؟! أو لم ينلهم شيء ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

10- يتكلم بلسان الـ (لا نظام)، ويطرح أفكاره ومبادراته. فلما كانت قوات القذافي بكامل قوتها وطغيانها، لم يكن كلامه إلاَّ حثاً لها على مواصلة القتال وتخليص البلاد من العصابات الإجرامية. ولمَّا كسر الله شوكة هذا الطاغية ببسالة فرسان بنغازي ومصراتة وجبل نفوسة والزاوية (بمساعدة قوات النيتو) صار يدعو إلى وقف إطلاق النار، ولو بمنح بنغازي حكماً انفصالياً -تكريساً لتقطيع أوصار ليبيا الذي يزعم قائده أنه غرض أجنبي- فقط أبقوا الطاغية في حكمه ولا تطالبوه بالتنحي.

فاتق الله يا مَن بِعْتَ آخرتك بدنيا هذا الطاغية، فأنت -والله- كما قال الفضيل بن عياض (كما في السير 8/440): (( يا مسكين، أنت مسيءٌ وترى أنّك محسنٌ، وأنت جاهلٌ وترى أنك عالمٌ، وتبخلُ وترى أنك كريمٌ، وأحمقُ وترى أنك عاقلٌ، أجلك قصير، وأملك طويل )).

قال الذهبي (( قلت: إي والله، صدق، وأنت ظالمٌ وترى أنك مظلومٌ، وآكلٌُ للحرام وترى أنك متورعٌ، وفاسقٌ وتعتقد أنك عدلٌ، وطالبُ العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله )).

وفي الختام، لا أجد ما أختم به، خيراً من كلمة الشيخ العلامة (أشبه الناس اليوم بشيخه ابن باز): الشيخ عبد المحسن العبّاد حفظه الله عندما نُقل له استغلالُ أعوان القذافي فتياه بتحريم المظاهرات فقال: (( ... وأمّا القذافي المتسلط في ليبيا، فأقول ﴿رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص:17] وإنّ الفرح برحيله عن ولاية ليبيا شديدٌ، وذلك لما ابتلي به من استكبار وإيذاءٍ للشعب الليبي، ولا أدلَّ على ذلك سفاهاته وغطرسته من خطابه الذي ألقاه قريباً بمناسبة هذه الأحداث ...).

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.



المجلس الشرعي لثوار 17 فبراير طرابلس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق